
كتبت / أمل محسن
قصة إسلام عمير بن وهب الجمحي رضي الله عنه :
عمير بن وهب الجمحي كان يلقبه أهل مكة بشيطان قريش، وبعد إسلامه أصبح حواري باسل من حواري الإسلام ولاءه الدائم للرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
ففي يوم بدر كان عمير واحدا من قادة المشركين الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام، كان حاد البصر محكم التقدير،
ندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلميـن، وإذا كان من ورائهم كميـن أو مـدد، فعاد من معسكـر المسلميـن قائلا لقومه: “إنهم ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون “.
وسألوه: ” هل وراءهم أمداد لهم “؟.
فقال عمير بن وهب : ” لم أجد وراءهم شيئا ” ، ولكن يا معشر قريش رأيت المطايا تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجـأ إلا سيوفهم،
والله ما أرى أن يقتل رجـل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك ؟ “فانظروا رأيكم “.
و تأثر الرجال بقوله وكادوا يعودون الى مكة، لولا أبو جهل الذي أضرم نار الحقد في نفوسهم فكان هو أول قتلاها.
و بعد أن عادت قريش مهزومة من بدر ، كما خلف عمير وراءه إبنه في الأسر لدى المسلمين ،و ذات يوم جلس عمير بن وهب مع ابن عمه صفوان بن أمية في مكة عند البيت ،و كان حقد صفوان على المسلمين كبيرا فقد قُتل أباه أمية بن خلف في بدر.
فقال صفوان وهو يتذكر قتلى بدر من المشركين : ” والله ما في العيش بعدهم خير “.
فقال له عمير : ” صدقت، ووالله لولا دَيْن عليّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت الى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده عِلّة أعتَلّ بها عليه: أقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير “.
فاغتنمها صفوان و قال لعمير : ” علي دينك ، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا “.
فقال له عمير : ” إذن فاكتم شأني وشأنك “.
- ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ، ثم انطلق حتى قدم المدينة.
قصة عمير بن وهب مع الرسول محمد صلي الله عليه وسلم :
بينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب قد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا سيفه.
فقال عمر بن الخطاب : ” هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، فهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر “
- ثم دخل عمر على الرسول صلى الله عليه وسلم
فقال عمر بن الخطاب : ” يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه “.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” أدخله علي يا عمر “.
فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار :
“ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون “.
ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم ، و عمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه،
فلما رآه الرسول قال : ” دعه يا عمر، ادن يا عمير “.
فدنا عمير وقال :” انعموا صباحا “. تحيتهم في الجاهلية.
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ” قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة”.
فقال عمير: ” أما والله يا محمد إن كُنتُ بها لَحديث عهد “.
قال الرسول: ” فما جاء بك يا عمير “؟.
قال عمير : “جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم “.
قال النبي : ” فما بال السيف في عنقك ؟”.
قال عمير: ” قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئا “؟.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له “؟
قال عمير : ” ما جئت إلا لذلك “.
قال النبي : ” بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت : لولا دَيْن علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك “.
- عندئذ صاح عمير
فقال عمير بن وهب : ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام “.
فقال الرسول لأصحابه: ” فقهوا أخاكم في الدين وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره “.
إقرأ أيضاً :
- الصحابي سعيد بن عامر الجمحي الذي اشترى الآخرة بالدنيا
- الطفيل بن عمرو الدوسي الصحابي الملقب بذي النور
- الإباحية خطر يهدد الشباب
- خالد الجندي يصرح ” مفيش حاجة اسمها غشاء بكارة “
دارت الأرض بصفوان وأصبح حطاما لأسلام عمير :
و أما في مكة ومنذ غادر عمير بن وهب مكة الى المدينة راح صفوان ينتظر وهو فرحا مختالا، وكلما سئل عن سبب فرحه يقول: ” أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تُنسيكم بدر “.
وكان يخرج كل صباح الى مشارف مكة ويسأل القوافل والركبان: ” ألم يحدث بالمدينة أمر ” .
حتى لقي مسافر أجابه: ” بلى حدث أمر عظيم “.
وتهلَّلت أسارير صفوان وعاد يسأل الرجل: ” ماذا حدث اقصص علي ” ؟.
فأجابه الرجل: ” لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه في الدين ويتعلم القرآن “
و بعد فترة قصيرة من الزمن أقبل عمير على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم .
قال عمير :” يا رسول الله، إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، وإني لأحب أن تأذن لي فأقدُم مكة فأدعوهم الى الله تعالى، والى رسوله والى الإسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم”.
عودة عمير بن وهب إلي مكة :
عاد عمير رضي الله عنه الى مكة و أول من لقيه كان صفوان بن أمية، وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز في يد عمير رده الى صوابه،
فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ومضى في سبيله، ودخل عمير مكة مسلما في روعة صورة عمر بن الخطاب يوم إسلامه، وهكذا راح يعوض ما فاته، فيبشر بالإسلام ليلا نهارا، علانية وجهرا،
يدعو الى العدل والإحسان والخير، وفي يمينه سيفه يرهب به قطاع الطرق الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به، وفي بضعة أسابيع كان عدد الذين أسلموا على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير، وخرج بهم عمير رضي الله عنه- الى المدينة بموكب مُهلل مُكبر.
عودة العمير إلي المدينة و أسلام صفوان :
وفي يوم الفتح العظيم، لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان، فراح إليه يُناشده الإسلام ويدعوه إليه، بيد أن صفوان شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها الى اليمن،
فذهب عمير الى الرسول صلى الله عليه وسلم- وقال له: : يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر،
فأمنه صلى الله عليك
فقال النبي: “هو آمن “.
فقال عمير : { يا رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك }.
فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم- عمامته التي دخل فيها مكة.
فخرج بها عمير بن وهب حتى أدرك صفوان فقال: “يا صفوان فِداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تُهلكها، هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد جئتك به “.
قال له صفوان: { ويحك ، اغرب عني فلا تكلمني }.
قال عمير : ” أي صفوان فداك أبي وأمي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أفضل الناس وأبـر الناس، وأحلم الناس وخير الناس، عزه عزك، و شرفة شرفك”.
قال رضوان : “إنـي أخاف على نفسـي “.
قال عمير : ” هو أحلم من ذاك وأكرم “.
فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم-
فقال صفوان للنبي الكريم : ” إن هذا يزعم أنك قـد أمنتني “.
قال الرسـول صلى الله عليه وسلم: ” صـدق “.
قال صفـوان: ” فاجعلني فيها بالخيار شهريـن “.
فقـال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” أنت بالخيار فيه أربعة أشهر “.
فيما بعد أسلم صفوان، و سعد عمير بإسلامه أيما سعادة.